هل في سوريا اليوم ثورة أم حرب أهلية؟

Hama

تستخدم وسائل الإعلام مصطلح الحرب الأهلية لوصف مايحدث في سوريا, فيما تعمل وسائل الإعلام الغربية في كثير من الأحيان على تسليط الضوء على تصرفات المتطرفين العاملين تحت عباءة مايسمى "دولة العراق والشام" بشكل خاص. مما ترك إنطباعا لدى الكثير من المتابعين وخاصة في الدول الغربية بإن هناك معارضة تضم متطرفين, تتصارع على السلطة مع الحكومة, وبالتالي كلا الطرفين يتساوان في السوء. أو في أحسن الأحوال: هناك حرب أهلية بين طرفين وبالتالي فليحلوا مشاكلهم بعيدا عنا. ولكن ماذا يجري هناك في الحقيقة؟ هل هي حرب أهلية أم ثورة من ثورات الربيع العربي التي تسعى للحرية والكرامة الإنسانية؟

 

 قد ينطبق توصيف الحرب الأهلية على مايجري اليوم في سوريا في سياق وجود أطراف سورية متصارعة في حرب فيما بينها. ولكن لا بد من الإشارة إلى أن الشعب السوري خرج في مظاهرات سلمية كانت تطالب بالإصلاحات وبالحريات في بلد يحكمه نظام ديكتاتوري منذ ٥٠ عام. بقيت المظاهرات سلمية طوال ستة أشهر رغم عنف النظام وسقوط العديد من القتلى. ثم تطورت أحداث الثورة إلى حرب بين نظام يمتلك قوة الدولة وجميع أنواع الأسلحة وبين مجموعات شعبية موزعة متفرقة على معظم الأراضي السورية لم تحمل السلاح إلا بهدف الدفاع عن النفس حباً بالحياة وإصرارا على الإستمرار في مشوار التغيير حتى آخره. 

لم تمتلك هذه المجموعات سوى أسلحة فردية بسيطة في البداية. مع مرور الوقت أستطاعت بعض المجموعات الحصول على أسلحة ثقيلة بشكل أساسي من النظام نفسه. حتى اليوم لا يمكن النظر للحرب الدائرة على إنها حرب بين طرفين متساويين في القوة أو التنظيم. هي حرب بين نظام ديكتاتوري أختطف الدولة ومعه شريحة من الشعب, التي ترى مصالحها معه من جهة, وبين مجموعة كبيرة من الشعب السوري.

ظاهرة التطرف يمكن رؤيتها لدى النظام ولدى جزء من المعارضة, حيث يمكن تتبعها لدى النظام وحلفاءه كممارسة ممنهجة ومدعومة رسميا. أما لدى المعارضة فتظهر تلك الظاهرة كممارسات عشوائية من بعض مكونات المعارضة ويتم النظر إليها كممارسات مرفوضة من المجتمع الحاضن لهذه المعارضة ومنبوذة كفكر. لن أتعرض في هذا المقال لظاهرة التطرف بالتفصيل كي لا أطيل على القراء فهذا يحتاج مقال منفصل. ما يعنينا في هذا المقال هو الإجابة على السؤال:

هل يعني ماتقدم أن الثورة في سوريا تحولت إلى حرب وأنتهت بذلك الثورة الشعبية؟

كثيرا ما نسمع من النخبة المثقفة اليوم أن الثورة في سوريا أنتهت وأن مايجري اليوم هو حرب مصالح خالصة.
إن المتتبع لأحوال الثورات على مدار القرنين الأخيرين سيجد أن العلاقة بين الثورات و الحروب كانت دائما علاقة متداخلة, متكاملة ومتشابكة, فغالبا ما تتحول الثورات إلى حروب تحرير كما حدث في حرب التحرير الأمريكية التي بدأت بثورة على بريطانيا, وقد تؤدي إلى حروب خارجية كما في الثورة الفرنسية وقصتها مع نابليون.  كما أن الحروب الخارجية قد تؤدي في حال الهزيمة إلى ثورات داخلية كما حصل في ألمانيا بعد هزيمة الحرب العالمية الأولى حيث أنهت الثورة النظام الملكي القيصري وأنتجت النظام الجمهوري.  وفي جميع الأحوال من الصعب تصور الثورات الكبرى بدون الحروب وبدون عنف أي بدون التحول إلى العمل المسلح. ثورات شرق أوروبا السلمية التي شاهدناها في السنوات الأخيرة كانت الإستثناء في سلميتها وسرعة مضيها, كما أنها من حيث النتيجة لم تستطع صناعة التغيير الذي خرجت لأجله, حيث خطفتها الردهات السياسية وحولت مطالبها إلى نوع من المنافسات الحزبية والسياسية, أي أنها تحولت إلى برنامج إصلاحي بطيء وفقدت تألقها الثوري.

أما ثورة مصر السلمية في ٢٠١٠ فكانت سريعة وخاطفة لدرجة أنها لم تتمخض إلا عن تغيير بعض الوجوه في رأس هرم الدولة ولم تستطع إنجاز أي تغيير جذري في البنية الحقيقية للسلطة وللمجتمع. مما أدى بالضرورة لإعادة إندفاعها مرة أخرى إلى الساحات بعد ثلاثة سنوات ولكن بشكل أكثر عنفا ودموية وكأنها تسعى لإستدراك مافاتها من عنف في ٢٠١٠.

لعل أهم الفروق التي تميز بين الحروب الأهلية والثورات هي مطلب التغيير الجذري التي تحمله الثورات والذي يمنحها بدوره الحيوية والإندفاع. االثورة في سوريا بدأت بمطالب التغيير للواقع السياسي والإجتماعي ولم تكن موجهة ضد أي فئة أوطائفة أو طبقة محددة. بل على العكس من ذلك حيث كانت شعارات الثورة تعج بقييم المواطنة والوحدة بين أبناء الشعب الواحد.

أدى تحول الثورة للعمل المسلح اليوم إلى تراجع شعارات ومطالب التغيير بعض الخطوات إلى الوراء لصالح ماتحتاجه الحرب من شعارات وإيديلوجيا تساعدها على الحشد والإستمرار. ولكن المتتبع لتفاصيل الحياة في ظروف تلك الحرب سيلحظ أن مطالب وأحلام التغيير الشامل لا تزال حية وموجودة بقوة في نفوس وأحلام الغالبية من الشعب السوري وإن تراجعت في الخطاب اليومي نتيجة إختلاف ترتيب الأولوليات لصالح تأمين الإحتياجات الأساسية في ظروف الحصار والتشريد. أحلام التغيير التي يحملها السوريون اليوم هي الحامل المعنوي التي تمنح المدنيين والعسكريين الأمل في الحياة والقدرة على الإستمرار رغم كل هذا الكم من الكوارث, مما يدعونا بقوة لوصف ما يحدث في سوريا بخليط من ثورة لأجل الحرية وحرب لأجل تحقيق التغيير والدفع به إلى غاياته, وإن شابتها صراعات النفوذ والمصالح, والتي تعد ملازمة دائما للحروب والإقتصاد الذي تولده حولها.

صناعة التغيير ليست قرارا بمرسوم جمهوري أو حدثا عابرا, وإنما مسيرة مؤلمة من الأحداث التي قد تستغرق جيلين كي تصل إلى مبتغاها. فتغيير التوازنات المستقرة للنفوذ والسلطة في المجتمع بشكل مستدام يتطلب تغيير مواز في تركيبة المجتمع وطرائق تفكير وحياة الإنسان فيه. ولهذا سبب كانت مهمة تغيير المجتمعات على الدوام من نصيب الأنبياء أولي البأس والعظماء الذين خلد التاريخ ذكراهم. 


 تم نشر هذا المقال على موقع الجزيرة نت في ٨ شباط لعام ٢٠١٤ تحت الرابط التالي: إضغط هنا