Select your language

logo16

ماهي الأخطاء القاتلة في إدارة المشاريع الإستراتيجية؟

تعرضنا في المقال السابق لتعريف المشاريع الإستراتيجية ووجدنا أن معظم الأعمال في البيئة الناتجة عن الثورة السورية تندرج تحت هذا الإطار نظرا لصفتها التأسيسية. فيما يلي سنقوم اليوم بمتابعة الموضوع السابق من خلال التعرض إلى أهم الأخطاء القاتلة الأكثر شيوعا والتي يتم إرتكابها عادة عند التخطيط للمشاريع الإستراتيجية:

 

عدم وضوح الأهداف وتركها مبهمة أو غائمة:
يلجأ العديد من مدراء المشاريع للشروع في توزيع الوظائف والأدوار وإعداد الخطط التنفيذية رغم عدم وضوح الأهداف بشكل كافي. بل ربما يتم الإعلان عن الكيان الجديد في الإعلام قبل تحديد أهدافه وقبل الإتفاق على أي آليات تنفيذية عملية. 

قد يكون الإتجاه الذي نود المضي به واضحا نوعا ما ولكن هذا لا يعني أن الأهداف واضحة بما يكفي للبدء بالحديث عن الجانب التنفيذي. يمكن تجنب هذا الخطأ من خلال المقاربات التالية:

  • وضع فلسفة المشروع و الغرض منه بشكل مكتوب وواضح
  • تعداد الأهداف بعبارات قصيرة وتوضيح كيفية الحكم بتحقيقها أو قياس التقدم نحو تحقيقها. ثم التأكد من إرتباطها بالغرض من المشروع وقدرتها على تحقيقه ضمن الفلسفة الموضوعة لذلك.
  • مناقشة الإحتمالات الممكنة وماذا سيترتب على المؤسسة في حال تحقيق هذه الأهداف أو في حال عدم تحقيقها و مقارنة هذه الإحتمالات بالغرض من المشروع.
  • توضيح طريقة العمل لتحقيق الغرض قبل توضيح الأهداف من المشروع

إهمال تأثير البيئة المحيطة وظروف العمل:
عند التخطيط لأي مشروع يجب أخذ البيئة التي يجري التنفيذ فيها بعين الإعتبار و يجب مراعاة إختلاف الثقافات واللغات والنواحي القانونية والتشريعية بعين الإعتبار. فأي مشروع يتم تخطيطه مع دول الجوار يجب أن يراعي الإختلاف في الثقافة والبيئة والإختلاف في الجوانب القانونية والتشريعية. كما يجب أن يراعي الواقع السياسي الموجود وتوازنات القوى.
قد تتطور الظروف أثناء تنفيذ المشروع بشكل غير متوقع وخارج عن الإرادة ولكن المقصود هنا الأمور الممكن مراعاتها عند التخطيط. يمكن السعي لتجنب هذا الخطأ من خلال ما يلي:

  • فحص البية المحيطة من خلال تصنيفها إلى بيئة قانونية وثقافية وإجتماعية وبيئة العمل ثم تحليل كل من هذه الشرائح ودراسة تأثيرها على المشروع
  • تعريف العناصر التي يمكن أن تشكل خطر على المشروع
  • تدوين الإفتراضات و القيود التي يمكن أن تأثر على المشروع

إهمال مصالح أصحاب المصلحة:
إشراك أصحاب المصلحة (كل المستفيدين أو المتأثرين أو المؤثرين في المشروع) في المشروع منذ بدايته يضمن دعمهم له أو على الأقل عدم معارضتهم له. كما يعطي فرصة للإستماع لمقترحاتهم ووجهات نظرهم بالشكل الذي يطور المشروع ويمنع من ظهور المفاجآت فيما بعد. تحقيق توافق بين جميع الفاعليين الأساسيين في أي مشروع قبل الشروع به هو أمر ضروري. الكثير من المبادرات التي أحدثت ضجة في الإعلام أو المشاريع ذات الأفكار الجيدة تم حرقها وأثبتت فشلها بسبب عدم التحضير المناسب لها من خلال التواصل مع اللاعبين الأساسيين وإتاحة الفرصة لهم للتعبير عن رأيهم و مخاوفهم, أو إشراكهم في العمل للمشروع.
إستخدام الأدوات والإجراءات الإدارية الخاطئة:
يقول المثل الإنكليزي: إذا كانت أداتك الوحيدة هي المطرقة فسيبدو كل العالم لك كمسامير.
المشاريع الإستراتيجية تكون منوعة وعادة يكون كل مشروع هو حالة خاصة قد لا تنفع معها أدوات التخطيط التقليدية. يجب إعمال الإبداع و التفكير الجذري في التخطيط لكل مشروع و كذلك في تنفيذه بدل الإعتماد على الأدوات المتوفرة في السوق أو بين أيدينا فقط. فالتعامل مع أي مشروع في الحالة السورية يحتاج إلى قدرة عالية على الإبداع من أجل تجاوز العقبات والقيود المتاحة, حيث لن يكون من المجدي التعامل مع ظروف غير مستقرة بذهنية وأدوات الأوضاع المستقرة.
التعامل مع خطة المشروع بقدسية:
المشروع الإستراتيجي يقوم على عدد كبير من المتحولات مما يستوجب التعلم بشكل مستمر من الدروس الناتجة أثناء التنفيذ و إعادة ضبط وتعديل خطة المشروع بالشكل الذي يراعي التغييرات و الدروس المستفادة وبالشكل الذي يساعدنا على الوصول للهدف. إدارة المشاريع الإستراتيجية هي عملية تعلم مستمرة, وبالقدر الذي تكون فيه الإستجابة للعبر والدروس المستفادة أكبر تكون فرص النجاح أعلى. البيئة السورية والواقع العملي حافل بالمفاجآت و التغيرات التي تتطلب التعامل معها بمرونة عالية والإستجابة لها بالشكل المناسب. يمكن توجيه النصائح التالية لتجنب هذا الخطأ:

  • تعامل مع خطة المشروع على أنها وثيقة حية تحتاج تطوير بشكل مستمر و لا تتعامل معها على أنها قالب غير قابل للتعديل.
  • حاول دائما تطبيق دائرة التعلم: فكر- خطط - نفذ - راقب - تعلم - فكر
  • ضع دائما مواعيد محددة لمراجعة الدروس المستفادة وضبط وتعديل الخطة بما ينسجم مع الدروس المستفادة

إهمال العامل الإنساني في إدارة الفريق:
نجاح أي مشروع يعتمد على أداء الفريق ككل, مما يتطلب أخذ العوامل الإنسانية و الشخصية لأعضاء الفريق بعين الإعتبار والإهتمام بتحقيق مصالحهم في سياق مصالح المشروع. ثقافة العمل الجماعي والعمل المؤسساتي غير موجودة بشكل عام, مما يتطلب بناء هذه الثقافة بين أعضاء الفريق والعمل على مراكمة الخبرات فيه. يمكن الإستفادة من الملاحظات التالية:

  • راعي في التخطيط للمشروع ديناميكيات بناء الفريق وخطط لوجود محطات ترفيهية أو إجتماعية تساعد في بناء الفريق وتعميق الصلات بين أفراده
  • أشرك فريق العمل في مرحلة التخطيط للمشروع حتى يتولد فهم مشترك للمشروع والغرض منه
  • ضع خرائط واضحة لتوزيع الأعمال و المسؤوليات بالشكل الذي يضبط الحقوق و الواجبات ويحول دون تبادل الإتهامات والللوم في مرحلة لاحقة.
  • لا تهمل مشاعر من يعمل معك وكذلك لا تهمل مصالحهم.

إن بناء الدولة السورية الحديثة على أسس سليمة, وإعادة إعمارها سيتطلب الكثير من الجهود والطاقات التي تحتاج إلى تنظيم وتنسيق في إطار مشاريع إستراتيجية متنوعة ومتعددة. تتطلب هذه المشاريع بدورها تخطيط دقيق من خلال فريق مؤهل ويحتاج تنفيذها فريق متعدد المهارات والإختصاصات بالإضافة للفهم العميق للواقع. في المقالات القادمة سنتعرض لكيفية التخطيط لهذه المشاريع وطرق إدارتها.

 


تم نشره على جريدة الجسر الالكترونية في ٢٧ تشرين الثاني لعام ٢٠١٣ واعادت شبكة شام نشره في ١٢ كانون أول ٢٠١٤