Select your language

logo16

الواقع ليس إلا سلسلة من المحدوديات الحادة التي تطول جميع الكائنات الحية, حيث يقف الموت على رأس هذه المحدوديات. لا يملك الإنسان إلا طاقة معينة وموارد محدودة لينفقها قبل أن يلامس حدود إمكانياته. إستعادة قوات النظام لقلب مدينة حمص وقبل ذلك القصير وباب عمرو ويبرود والعديد من المدن السورية الأخرى, ليس إلا مثال آخر على محدودية القدرات والإمكانات, الأمر الذي يجب أخذه في عين الإعتبار قبل الدخول في أي معركة.00Revo Flage

 

ثقافة تقديس البطولة والرجولة والصمود قد تعمل على تشكيل غشاوة كثيفة على أعين الإنسان, فتحول دون رؤيته للواقع كما هو, وتحول دون فهم موازين القوى على حقيقتها. المتابع لتصريحات المقاتلين الذين خرجوا من حمص يشعر وكأن الصمود والبطولة هما هدفين لذاتيهما. قد ينسى البعض في خضم الأجواء الإنفعالية أن هذه الخصال الحميدة هي وسائل لتحقيق النصر في المعركة, وأن الأمور بخواتيمها.

 

تعمل وسائل الإعلام عادة على التركيز على المعارك الكبيرة التي فيها نوع من الإثارة, سواء في السياسة أو الحرب. أي أن التركيز يكون على الأوضاع الحدية التي يكون فيها منتصر ومهزوم, وينجذب الناس إلى الإثارة الدرامية في أي مواجهة, لا إلى الخطوات العديدة التي سبقت المواجهة وأدت إليها.

ثقافتنا العربية تروي العديد من القصص التي تصب كلها على توصيف لحظة المواجهة مع العدو وتؤكد على الموعظة الأخلاقية والحماسية, بينما من النادر أن يتم الإلتفات إلى الخطوات التحضيرية العديدة التي تسبق المواجهة. كما أن المجتمعات العربية بشكل عام تنظر إلى هذه المواجهة على أنها مفاصلة بين الحق والباطل وبالتالي فهي الأسلوب الأكثر رجولة وشرف في المعركة, حتى ولو إنتهت بهزيمة عسكرية, فلا بأس في ذلك, طالما أن الأبطال إستشهدوا في سبيل نصرة الحق.

ولكن في الواقع العملي للحروب ليس المهم تحقيق النصر في جولة, بقدر ما هو مهم معرفة وإدراك أين سيضعنا هذا النصر في حال تحقيقه؟ ماذا سيحصل بعد تحرير المدن الداخلية التي لا تملك أي منفذ على البحر أو على دول الجوار كالمعضمية ومخيم اليرموك وحمص القديمة؟

من مقال (خواطر في تجربة المعارضة السورية في مدينة حمص)